يستدل أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ بأحاديث كثيرة، منها: حديث الرجل الذي شرب الخمر فسبه الصحابة، ومع هذا شهد له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي لا ينطق عن الهوى بأنه يحب الله ورسوله.
إذاً فقد تقع من المؤمن المعاصي كحالة استثنائية خارجة عن أصل المنهج الطريق الذي يمشي عليه، فتقع منه المعصية بالطبيعة البشرية لإغواء الشيطان له، أو لأي أمر من الأمور؛ لكنه لا يكفر صاحبها بمجرد أنه فعل المعصية، فهذا رجل يحب الله ورسوله، وقد وقع منه أن شرب الخمر.
ولقد وقع زنا من بعض الصحابة مثل ماعز والغامدية فلم يكفرهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن أقام عليهم الحد، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ومن عوقب به في الدنيا، فهو كفارة له} كما في حديث البيعة الصحيح لما بايعهم، ولذا قال ماعز: طهرني يا رَسُول الله! والمرأة تقول: طهرني يا رَسُول الله يرجون التطهير في الدنيا.
فهل التطهير ينفع في حق الكافر من غير أن يؤمن! ولو زنى الكافر هل نجلده أم لا؟
اختلف العلماء، والصحيح أنه يجلد كما في قصة اليهوديان اللذان نزلت فيهما الآيات العظيمة، واللذان بسببهما كانت القصة المشهورة لما وضعوا أيديهم عَلَى حد الرجم، وأقيم عليهم الحد، فأحكام الإسلام وحدوده تجري حتى عَلَى الكفار، وإلا فكيف يقَالَ: إذا زنى المسلم جلدناه، وإذا زنى الكافر قلنا له: أنت كافر لا نقيم عليك الحد!! بل نقول: الإيمان بينه وبين ربه، لأن الله أمرنا أن نأخذ منهم الجزية عن يد وهم صاغرون، وأن يكون حالنا معهم مثل حال الرَّسُول مع اليهود حين حالفوه وكانوا مواطنين في حكم الدولة المسلمة، فما داموا تحت حكم الْمُسْلِمِينَ فعلى الْمُسْلِمِينَ أن يقيموا عليهم الحدود، ولا يسمحوا لهم بالزنا ولا بشرب الخمر.
فالمقصود أن تقام حدود الإسلام حتى عَلَى الكافر، ومن عوقب في الدنيا فهو كفارة له، وإذا زنا المسلم أو شرب الخمر أو فعل معصية من المعاصي ثُمَّ مات عَلَى ذلك ولم يتب فحكمه عند أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ في الآخرة أنه تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.

ومغفرة الله تنال الإِنسَان يَوْمَ القِيَامَةِ بعدة أسباب منها: شفاعة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ يشفع الشافعون لأهل الكبائر، ويشفع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما سيأتي تفصيل ذلك في قول المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: [ويشفعون لأهل الكبائر].
ومنها: أن يكون عفو الله مقابل التوحيد وإن لم يتب، فإن تاب تاب الله عليه، وقد يغفر الله لمن شاء من أهل المعاصي جاهر بالمعاصي من غير الشَّفَاعَة، كما قال الله تعالى: ((غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ)) [غافر:3] لكن المعتزلة والخوارج قالت: ((غَافِرِ الذَّنْبِ)) لمن تاب، فنقول: إذا كَانَ غافر الذنب لمن تاب فقط فما معنى قوله: ((غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ)) فمعنى ((غَافِرِ الذَّنْبِ)) أي: أنه يتكرم ويتجاوز من عنده من غير توبة ولا شفاعة، مثل: صاحب البطاقة التي لا يوجد فيها غير التوحيد، وتسع وتسعون سجلاً من المعاصي، ويغفر الله له مقابل التوحيد بلا شفاعة {يا ابن آدم لو أنك لو لقيتني بقراب الأرض خطايا -أي: بملئ الأرض من الذنوب والخطايا- ثُمَّ لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لقيتك بقرابها مغفرة} فإذا لقيه لا يشرك به شيئاً فإنه يغفر له بأنواع المغفرة، إما أن يغفر له برحمته وفضله، وإما أن يغفر له بشفاعة الشافعين، وهذا من كرمه وفضله، وهو من جملة تكريمه للشافع أن قبل شفاعته كقبول شفاعة الشهداء والصالحين.
وأيضاَ فيها مَنُ الله عَلَى المشفوع بأن جعله ممن تدركه هذه الشَّفَاعَة.

إذاً: فمذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ فيه التناسق والعمل بجميع النصوص الواردة، وفيه عدم رد آية أو حديث صحيح.